احتفل العالم قبل أشهر بمرور إحدى وعشرون عاما على سريان اتفاقية حظر الألغام التي وقعتها مجموعة من الدول في كندا في ديسمبر 1997, لفرض حظر شامل على استعمال وتخزين الألغام وكذا الالتزام بإزالتها وتجريمها باعتبارها احد اخطر آلات الموت, نظرا للأعداد الهائلة التي خلفتها في الحرب العالمية الثانية, من قتلى وجرحى ومعاقين, وهي الاتفاقية التي صادق اليمن عليها في 1 سبتمبر 1998، ملتزما بعدم استخدام الألغام المضادة للأفراد تحت أي ظرف من الظروف، ومنع الأنشطة المحظورة بموجب المعاهدة.
وتأتي المناسبة كفرصة للفت نظر المجتمع الدولي الى ما يعانيه الشعب اليمني من ويلات آلاف الألغام زرعتها ميليشيات الحوثي الانقلابية منذ بدء الحرب القائمة عام 2015, والمنتشرة عشوائيا في مناطق البلاد بحرا وبرا, وخلفت اعدادا كبيرة من الضحايا اغلبهم من المدنيين.
10 ألف ضحية
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد ضحايا الألغام من المدنيين نظرا لصعوبة الوصول الى المناطق التي ما تزال تسيطر عليها الميليشيات الحوثية, والتي تتعمد ايضا اخفاء الارقام الحقيقية عن الضحايا في تلك المناطق, إلا أن سفيرة اليمن في وارسو، ميرفت مجلي، كشفت في وقت سابق من العام الجاري أن عدد ضحايا الألغام التي زرعتها ميليشيا الحوثي الانقلابية، بلغ 10 آلاف مدني على اقل تقدير, بينهم نساء وأطفال.
وأكد وزير الإعلام معمر الإرياني، أن الألغام الأرضية التي زرعتها ميليشيات الحوثي دون خرائط في المدن والقرى والشوارع ومنازل وحقول المزارعين وحتى في البحر, هي الأكثر منذ الحرب العالمية الثانية, ووجه نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي، لتجريم وإدانة قيام الحوثيين بزراعة مئات الآلاف من الألغام في المناطق الآهلة بالسكان، وطالب بالضغط عليهم لتسليم الخرائط، ودعم جهود الحكومة في انتزاعها.
اكثر من مليون لغم
الى ذلك أكد العميد الركن, امين العقيلي مدير مدير المركز الوطني لمكافحة الألغام, في تصريح لـ” عدن تايم” وجود أكثر من مليون لغم زرعتها ميليشيات الحوثي الانقلابية في عموم مناطق اليمن برا وبحرا, مشيرا الى ان الإحصائية ليست دقيقة وإنما تقريبية نظرا لصعوبة الوصول الى المناطق التي ما تزال تسيطر عليها الميليشيات.
وقال إن الميليشيات الحوثية زرعت الألغام بشكل عشوائي في المدن، الطرق، والبيوت، والمساجد، والمدارس وحتى في طرق الملاحة البحرية, مشيرا الى ان الالغام لم تلحق الضرر الجسدي باليمنيين, وانما اثرت سلبا على المستوى المعيشي لهم, لوجودها في المزارع وطرق الوصول اليها ومحلات تجارتهم وكذلك الطرقات المؤدية الى المدارس بالنسبة للطلاب, كما انها تشكل خطرا مستداما على حياة المدنيين داعيا الى مزيد من الدعم المحلي والدولي لبرامج نزع الالغام.
وأضاف أن اليمن هو البلد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي تعرض لكارثة انتشار للألغام, وانه تعرض لأكبر عملية زرع ألغام منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
نزع 320 الف لغم
من جانبه قال الدكتور علي صالح الشاعري, منسق التوعية في المركز الوطني للتعامل مع الألغام, لـ” عدن تايم ” ان المركز نزع الى الان حوالي 320 الف لغم من مناطق ومديريات في محافظات عدن ولحج وابين والضالع وشبوة وحضرموت وتعز والحديدة والبيضاء وحجة وصعدة والجوف, فيما لا تزال الفرق الهندسية التابعة للمركز تقوم بمهامها في كل الاماكن المتاحة.
واوضح ان الألغام المنزوعة تتنوع ما بين ألغام فردية وأخرى مضادة للعربات وقذائف وقنابل واحزمة ناسفة وجسام خطرة, منها ألغام أرضية وبحرية وألغام مضادة للعربات زودت بدواسات لتعمل كألغام فردية.
استخدام كميات مهولة
وجاء في تقرير لمعهد واشنطن نشر في يوليو من العام الماضي، أن الألغام الأرضية موجودة في اليمن منذ عقود بسبب نزاعات مختلفة، إلا أن المتمردين الحوثيين يقومون باستخدامها حاليا “بمعدل عال يسبّب الذهول” الأمر الذي دفع الحكومة اليمنية الى تنشيط البرامج الوطنية من اجل نشر الوعي بخطورة الألغام وكذلك نشر فرقها الهندسية لنزعها, بالإضافة الى مساندة سعودية عبر المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن” مسام” بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
جريمة حرب
وأكد أسامة القصيبي مدير المشروع السعودي لنزع الألغام “مسام” أن الحوثيين تجاوزوا كل الأعراف والمواثيق الدولية في الحروب، وان الألغام التي تزرعها بكثافة في المناطق اليمنية, أمر لم يسبق له مثيل في أية دولة شهدت مناطقها حروباً, واصفا قيام الحوثيين بتحويل لغم مضاد للآليات إلى مضاد للأفراد بـ” جريمة حرب” القصد منها قتل الشعب اليمني بشكل متعمد.
وأوضح أن الحوثيين حولوا لغم الآليات الذي يحتاج إلى وزن 100 كيلو غرام وما فوق لينفجر، ليصبح الضغط عليها من 10 كيلو غرامات تنفجر عن طريق دواسات كهربائية, مشيرا الى تمكن الفرق الهندسية التابعة لمشروع “مسام” من نزع 16 ألفاً ما بين ألغام وذخائر غير متفجرة وعبوات ناسفة في مختلف المناطق المحررة حتى نهاية العام المنصرم.
تكنولوجيا ايرانية
وكشف أن الحوثيين ” يستخدمون تكنولوجيا إيرانية مثل الأشعة تحت الحمراء في عملية زرع الألغام وتطبيق تكتيكات إيرانية أيضًا في طريقة زرعها مثل إخفائها داخل صخور وهمية”, مشيرا الى اليمن أصبحت الدولة الأكثر ازدحامًا بالألغام في العالم منذ الحرب العالمية الثانية, مؤكدا إلى أن عملية إزالة الألغام تتطلب سنوات عديدة.
وقال خبراء يمنيون ان تكثيف زراعة الألغام والمتفجرات التي تزرعها ميليشيات الحوثي الانقلابية، تعكس حالة انهزامية لدى الميليشيات وتنم عن وعي إجرامي، لا يفرق بين هدف عسكري او مدني وأنها آخر الأوراق لدى الميليشيات المترنحة.
وتبقى الألغام ومخلفات الحروب في اليمن, حربا أخرى تستدعي جهود محلية ودولية كبيرة للحد من أضرارها على المستقبل القريب, كما انها تعد تحد كبير لمشاريع اعادة الاعمار وبدء تحريك عجلة التنمية المتعثرة في البلد المنهك اقتصاديا منذ عقود نتيجة الفشل السياسي الذريع في خلق منظومة حكم رشيدة تعمل وفق خطط إنمائية مدروسة وممنهجة معتمدة على تجارب الدول الناجحة والمتطورة, لا على تجارب التكتلات الجهوية والقبلية والدينية والعسكرية, التي وضعت اليمن – احد أقدم الحضارات الإنسانية – في مقدمة الدول الأكثر فسادا وتخلفا في العالم, بحسب تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية مؤخرا.